روائع مختارة | قطوف إيمانية | عقائد وأفكار | المجتمع.. والتغيير

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
روائع مختارة
الصفحة الرئيسية > روائع مختارة > قطوف إيمانية > عقائد وأفكار > المجتمع.. والتغيير


  المجتمع.. والتغيير
     عدد مرات المشاهدة: 2861        عدد مرات الإرسال: 0

لعلكم تلاحظون في الحياة اليومية عبارات مثل: عيب، ماذا سيقول الناس؟ ، انتبه ألا يراك أحد، لا نريد فضائح أمام الناس.. وغيرها كثير من الجمل التي تدور حول الالتزام بمعايير المجتمع وعاداته طلباً لرضا المجتمع.

وتجنباً لأي تغيير يتسبب في سخط هذا المجتمع. والمتأمل في تبعات الالتزام أو الإلزام بهذه المعايير – خصوصاً إن كان فيها تعارض مع العقل أو الشرع – سيرى مالا يسره من آثار متمثلة في التمرد ” اللامنطقي ” على المجتمع، أو الاستسلام والخضوع غير المقيد والذي يولد شخصية انهزامية مستسلمة!

خلال العامين الماضيين بدأت أهتم بهذه الظاهرة بشكل أكبر، لأني خشيت من آثار هذا الالتزام غير المنطقي – بالعادات – على نفسي ومن حولي، فلم أخفي تساؤلي الاستنكاري حينها لانتشار أسلوب الحياة القائم على طلب رضا المجتمع.

والطريف في الأمر هو أن مجرد تعبيري عن ” الانزعاج ” قوبل باستهجان كبير ممن يحيطون بي من أقارب وزميلات عمل، مما جعلني أتخوف من تنفيذي لخطط التغيير، والتي ستصطدم حتماً بواقع العادات والأعراف المنتشرة في مجتمع الأهل والعمل.

أكثر ما كنت أخشاه في تلك الفترة هو أن تكون خططي مبنية على هوى نفس أو ردود فعل متهورة، وكنت متخوفة جداً من فتح باب قد يجر مالا تحمد عاقبته، ولن أخفي كم كنت متخوفة من رد فعل المجتمع عندما يكتشف أن صورتي الحقيقية ليست مطابقة للصورة الذي كان قد رسمها لي!

لقد بدا الأمر معقداً، في ظل ندرة المؤيدين، وكثرة المعارضين أو الممتنعين عن إبداء الرأي! مما حدا بي لصياغة قواعدي الخاصة بالتغيير، وهو ما أعتزم مشاركتكم إياه في مقالتي هذه طمعاً في نقاش جاد حول التغيير وما يترتب عليه من آثار.

* ما الذي يحتاج إلى تغيير؟

تحديد الأفكار أو السلوكيات التي يظهر عدم ملائمتها لنا.

* لماذا التغيير؟

التأكد من أن دوافع هذا التغيير حقيقية وليست عن هوى نفس أو عاطفية، فمن أكبر المصائب أن يتخذ الإنسان قرارات متسرعة هي في الأصل ردود فعل غير مدروسة، مما يجعل الأمور تسير في اتجاه لا نرضاه في حقيقة الأمر.

* في أي اتجاه يسير هذا التغيير؟

هنا لابد من تأمل الحال بعد التغيير، وتحديد ما إذا كان التغيير سيضع الشخص في مكانة أفضل أمام الله تعالى و الضمير أم لا؟

نعم، ” الله جل وعلا ” أولا و ” ضمير الشخص ” ثانياً هما أهم من يبتغى رضاه، فمتى ما كان التركيز وقت التفكير على رضى الله تعالى فسيتحقق شرط الإخلاص والذي هو أساس قبول العمل، وكذلك الاحتساب الذي يترتب عليه طلب الأجر من الله تعالى وحده، ولا أحد سواه.

ومتى ما كان فعل الإنسان متفقاً مع ما تريده النفس وترتاح إليه، فحينها سيكون الإنسان مرتاحاً واثقاً من نفسه.

وهو الأمر الذي لن يتحقق متى كان تفكير الإنسان في النتائج مقتصراً على المجتمع ومدى قبوله! إذ يؤدي هذا النوع من التفكير إلى ضغط نفسي يدفع الشخص لسلوكيات قد لا يكون مقتنعاً بها، لتكون النتيجة – في الأجل الطويل – تمرد على المجتمع يتسبب في ردود فعل مبالغ فيها، أو شخصية سلبية مستسلمة وغير منتجة أو مبدعة.

* هل التغيير يخص العبادات أم أمور الحياة؟

والقاعدة في هذا النوع من التغيير هي [الأصل في المعاملات الحل، والأصل في العبادات التحريم] ففي العبادات لابد من التزام السنة، وأي مخالفة لها هي ابتداع نهانا الله تعالى والرسول صلى الله عليه وسلم عنه.

لذا عند التفكير بأي تغيير، لابد من تحديد ما إن كان التغيير يخص عبادة أم أمر من أمور الحياة، فإن كان مختصاً بعبادة فالمرجع هو القرآن والسنة، واستفتاء من نثق بدينه وأمانته. أما إن كان التغيير لا يتجاوز أمور الحياة التي لم يرد بشأنها دليل، فالقاعدة هي [لا ضرر ولا ضرار] .

وأحياناً يجد الإنسان نفسه وقد وصل لمرحلة اقترف فيها بعض المحظورات الشرعية – لن أتحدث عن الأحكام فلست بطالبة علم شرعي – فقط أود أن أخبركم بقاعدة تعلمتها وأؤمن بها كثيراً، وفيها خير كثير لمن يعاني من بعض الذنوب، وهي: [لا صغيرة مع الإصرار، ولا كبيرة مع الاستغفار].

فكل من ابتلي بذنب، فليحاول بجد أن يتجنب الأسباب التي توقعه في الذنب، فإن وقع فيه فمن المهم أن يعترف – أمام نفسه – أنه اقترف ذنباً، وليحرص على إخفاء هذا الذنب، وليلزم الاستغفار والدعاء. فالاعتراف والعزيمة وإخفاء الذنب والدعاء هي أدوات تغيير فعالة ولو بعد حين! ولم أدرج إخفاء الذنب مخافة نقد المجتمع، بل للأثر الصحيح الوارد [إن من شرار الناس المجاهرون] .

* هل لازال يراودك هاجس ” قبول المجتمع ”؟

إن كان هاجس المجتمع لازال يراودك، فاعرض أسباب اعتراض المجتمع على الشرع والعقل، ثم اختر ما يتفق وقناعتك الشخصية. وتذكر أن المجتمع لن يتغير إلا بتغير أفراده، وبقدر قوة الحجة والثبات على الموقف تكون درجة التغير، واتجاه هذا التغير هو ما يحدد مستقبل المجتمع. فهل تحب أن تسير مع التيار؟ أم تقود هذا التيار؟

إن مقارنة الأوضاع التي نرغب بتغييرها مع عبادة الأصنام التي وقف الحبيب صلى الله عليه وسلم ليغيرها، أو عبادة القبور التي تصدى لها الإمام عبد الوهاب رحمه الله، أو فتنة خلق القرآن التي مر بها الإمام أحمد بن حنبل رحمه الله، ستجعل من أمر التغيير أسهل مما يبدو عليه، وستجعل من شأن الثبات أكبر من أي مصاعب قد تعترضه.

..
أخيراً، وبعد الإجابة على تساؤلات [ماذا؟ ولماذا؟ ما الاتجاه؟ وما النوع؟ ] تأتي مرحلة اتخاذ القرار، والتي يستحسن أن لا تتم قبل الاستخارة واستشارة من تثق بصدقه ونصحه.

ومتى تم وُضع القرار في مرحلة التنفيذ، فالمراجعة الدورية بهدف التأكد من سلامة النية وصحة المسار، ستقلل من حجم التردد وستساعد على الوصول للهدف المنشود من التغيير بإذن الله.
 

الكاتب: د. خالد بن سعود الحليبي

المصدر: موقع المستشار